أي مستقبل لعدالة الإشهاد التونسية؟
مهنة
عدالة الإشهاد هي مهنة عريقة ضاربة
في التاريخ، حيث عرفت هذه المهمة منذ
الفتوحات الإسلامية و قام الفقهاء بوضع أسسها و إرساء قواعدها، و بقيت إجراءاتها
متوارثة من جيل إلى جبل إلى حدود القرن التاسع عشر أين حاولت السلط تنظيم المهنة و إدخال إصلاحات جوهرية عليها فتم
إصدار الأمر العلي المؤرخ في 08/01/1875 الذي أعطى أسسا عصرية لهذا السلك و ادخل عليه تغييرات كبيرة.
و بقي الأمر كذلك إلى حين صدور الأمر المؤرخ
في 01/07/1929 الصادر بنظام العدول المسلمين و ما تلاه من نصوص.
و في 24 جوان 1957 صدر الأمر المتعلق بإعادة
تنظيم خطة العدالة و أحداث هيئة عدول منفذين و كتبة لهم محلفين , و قد مكن عدول
التنفيذ من ممارسة خطة الإشهاد إلى جانب أعمالهم الأصلية المتعلقة بالتنفيذ.
و في
سنة 1994 وقعت إعادة تنظيم مهمته عدول
الإشهاد و إرساء قواعدها على أسس عصرية متينة و ذلك بصدور القانون عدد 64 لسنة
1994 المؤرخ في 23 ماي 1994 المتعلق بتنظيم مهنة عدول الإشهاد.
وتم إصدار القانون عدد 29 لسنة 1995 المؤرخ
في 13 مارس 1995 المتعلق بتنظيم مهمة عدول التنفيذ و بذلك تم الفصل نهائيا بين
خطتي الإشهاد و التنفيذ ( 1 ).
وبعد الثورة وما نتج عنها من تحول ديمقراطي , كان من الضروري
التفكير بجدية في تطوير المنظومة القضائية ومراجعة القوانين المنظمة للمهن
القانونية والقضائية بما في ذلك مساعدي
القضاء , فصدر المرسوم عدد 79 لسنة 2011
مؤرخ في 20 أوت 2011 يتعلق بتنظيم مهنة المحاماة .
و صدر قانون أساسي عدد 34 لسنة 2016 مؤرخ في
28 افريل 2016 يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء .
كما
صدر قانون أساسي عدد 9 لستة 2018 مؤرخ في 30 جانفي 2018 يتعلق بتنظيم مهنة العدول
المنفذين .
أما عدول الإشهاد ورغم مرور
سنوات عديدة من المفاوضات فإنهم إلى حد الآن لم يتحصلوا على قانون جديد يواكب
العصر ويرتقي إلى مستوى المعايير الدولية .
إن الارتقاء بالمنظومة القضائية يستوجب
تحقيق الاستقلالية التامة للقضاء وتوفير اعتمادات كافية للمحاكم وتحسين
الوضعية المادية للقاضي ليعمل في ظروف طيبة باعتبار وان القضاء سلطة مستقلة تضمن إقامة
العدل وعلوية الدستور وسيادة القانون وحماية الحقوق والحريات ( 2 ) ويتطلب دعم المحاماة باعتبارها مهنة حرة مستقلة
تشارك في إقامة العدل والدفاع عن الحقوق
والحريات ( 3 ) و يتطلب تفعيل دور سلك مساعدي القضاء من عدول تنفيذ وعدول إشهاد
وغيرهم .
وباعتبار إن عدالة الإشهاد لم يقع تمكينها من
قانون جديد إلى حد ألان وإبقائها
رهينة قانون 1994 الذي تجاوزته الإحداث
يجعلنا نطرح الإشكال التالي : أي مستقبل
لعدالة الإشهاد التونسية ؟
هذا
الموضوع يتطلب منا في نظرنا التذكير بوضعية عدالة الإشهاد قبل صدور قانون 1994 ثم
التعرض للنقلة التي عرفها القطاع بفضل صدور قانون 1994 والتطرق فيما بعد لازمة
عدالة الإشهاد بسبب إفلاس قانون 1994 وعدم مواكبته للتطورات التي عرفتها المنظومة القانونية ككل
وعدم مواكبته للمكانة التي يحظى بها التوثيق في القانون المقارن بصفة خاصة .
1-
عدالة الإشهاد ما قبل 1994
قبل صدور القانون عدد 64 لسنة 1994 كان أغلبية
العدول يمارسون هذه المهنة بدون أن يكون لهم شهادة جامعية في العلوم القانونية.
واغلبهم مارسوا مهنة عدالة الإشهاد في سن
متقدمة بعد حصولهم على التقاعد من وظائفهم
الأصلية .
و قد تمكنوا من ممارسة مهنة قانونية (تطلب
معرفة قانونية ) باجتهادهم الخاص وبفضل تراكم التجارب.
و قد اتسم عمل العدول القدامي بالجدية والنزاهة و الأمانة.
و لمدة عقود طويلة ارتسمت في أذهان الناس
الصورة التقليدية والنمطية لعدل الإشهاد،
فهو عادة يلبس الجبة و يتموقع في مكتب
أشبه بالدكان ,و يحرر كتائبه بصياغة و
أسلوب يتوارثه جيل بعد جيل ,و يقع إمضاء
الكتائب بما يسمي بالخنفوسة .
و مع انتشار التعليم و تخرج أجيال من كليات
الحقوق أصبح من المحتم مواكبة العصر و خلق
جيل جديد من عدول الإشهاد يمارس مهنته اعتمادا على شهادة علمية جامعية و معرفة كافية
بالعلوم القانونية.
2-
عدالة الإشهاد ما بعد 1994
حسب الفصل الأول من القانون عدد 64 لسنة 1994
مؤرخ في 23 ماي 1994 المتعلق بتنظيم مهنته عدول الإشهاد ( 4) فإن لعدل الإشهاد صفه
المأمور العمومي و بوصفه مأمورا عموميا
فانه يكسي الأعمال التي يقوم بها في نطاق وظائفه صبغة رسمية عملا بالفصل 442 من مجلة الالتزامات و العقود و لا يمكن الطعن في
العقود التي يحررها إلا بدعوى الزور.
و من بين الشروط الواجب توفرها في المترشح لمناظرة للترسيم بجدول عدول الإشهاد ( 5 ) أن يكون متحصلا على الأستاذية في العلوم
القانونية من إحدى كليات الحقوق أو شهادة أجنبية معادلة لها, و أن يقضي الناجح في
المناظرة فترة تدريب ينظمها المعهد الأعلى للقضاء مدتها 6 أشهر.
و يكمن أن يرسم بدون شرط السن و بدون مناظرة
بجدول عدول الإشهاد , القضاء- المحامون المترسمون بالجدول الأصلي – الأعوان
العموميون المحرزون على الأستاذية في العلوم
القانونية الذين مارسوا لاحقا نشاطا قانونية أساسيا لمدة لا تقل عن عشرة أعوام.
بفضل قانون 1994 شهدت عدالة الإشهاد نقلة حقيقية حيث أصبح عدل الإشهاد رجل قانون بحق و مساعد للقضاء، له دراية بالعلوم القانونية و يقدم استشارات قانونية
سليمة و دقيقة لحرفائه.
فبفضل هذا القانون وبعد تخرج العديد من
الأفواج من المعهد الأعلى للقضاء , أصبح عدل الإشهاد هو المستشار القانوني لحرفائه والخبير المتمكن
من تحرير العقود بشتى أنواعها. ويحرر كتائبه بحرفية وبكل أمانة وحياد, فهو الضامن للأمن
القانوني والعدالة التعاقدية.
غير أننا
لاحظنا أن قلة من العدول مازالوا متمسكين
بمكاتب شبيهة بدكاكين العدول القدامى و يستعملون نفس الخنفوسة في إمضاء كتابتهم ,و يتعمدون ارتداء الجبة عند تحريرهم لعقود
الزواج .
و المفروض القطع نهائيا مع مخلفات الماضي و
بناء شخصية جديدة لعدل الإشهاد و العمل على التغيير الكلي للصورة النمطية للعدول
القدامى.
و حتي فيما يخص تحرير العقود و الكتائب لا
حظنا تشبث قلة من العدول بالصياغة القديمة و استعمال العبارات و الالفاض العتيقة و
المفروض أن يقع تحرير العقود و الكتائب بصياغة عصرية حديثة.
3-عيوب
ونقائص القانون المنظم لمهنة عدول الإشهاد
) في القانون المقارن تتميز بميزتين اثنتين: LE NOTAIREالحجة الرسمية التي يحررها الموثق (
-
القوة الثبوتية
- والقوة التنفيذية
و الحجة الرسمية التي يحررها عدل الإشهاد في
تونس لا تتميز إلا بالقوة الثبوتية.
و بذلك فهي تعتبر متخلفة عن الحجة الرسمية
بالدول المتقدمة و حتى بأغلب الدول العربية ,كما ان الموثق في دول الاتحاد
الأوربي، له اختصاص مطلق في تحرير جميع
العقود و الكتائب عدى ما استثناه القانون
ين ص صريح.
لقد جاء بالفصل 12 من القانون عدد 64 لسنة
1994 ما يلي:
يتولي عدل الإشهاد :
- تحرير ما ترغب السلط أو الأشخاص في إثباته
بحجة رسمية من اتفاقات و تصريحات .
- تحرير الفرائض باعتماد حجج الوفيات.
كما يتولي المهام التي توكلها له قوانين
خاصة.
يفهم هذا النص أن عدل الإشهاد ليس له اختصاص حصري في تحرير العقود و الكتائب
و إنما يشاركه في عمله العديد من
المتدخلين وهم المحامون و أعوان إدارة الملكية العقارية و الدولة و الجماعات
المحلية و المؤسسات البنكية و المالية و حتى الإفراد يمكنهم أن يبرموا بعض العقود
و الكتائب بأنفسهم.
في دول الاتحاد الأوربي و حتى اغلب الدول
العربية، للحجة الرسمية التي يحررها الموثق مكانة هامة, بينما في تونس نجد أن
الكتب الرسمي قد تراجعت أهميته بسبب هيمنة الكتب الخطي رغم أن الضمانات التي
يوفرها الكتب الرسمي مفقودة في الكتب الخطي.
و لا يعني هذا و جوب المطالبة بإلغاء الكتب
الخطي فهذا يعتبر مطلبا غير واقعي , فتحرير العقود من طرف المحامين مثلا أصبح أمرا
واقعا و يعتبرونه مكسبا لهم لا يمكن المساس
به أو التراجع عنه بأي حال من الأحوال.
و إنما من المفروض توسيع مجال تدخل عدل
الإشهاد و التوسع في اختصاصاته .
4-
عدالة الإشهاد في حاجة إلى قانون يرتقي إلى مستوى المعايير الدولية
منذ سنوات عديدة و عدول الإشهاد بتونس
يطالبون بقانون جديد طبق المعايير الدولية .
ان يكون مطابقا للمعايير الدولية فهذا يعني ان يقع أكساء الكتب الرسمي بالقوة
التنفيذية وتوفير الحماية اللازمة لعدل الإشهاد وتوسيع مجال تدخل الحجة العادلة وخلق آليات عمل
عصرية .
الآن قانون 1994 رغم ما جاء به من مكاسب قد تجاوزته الأحداث
و لم يعد يليق بعدالة الإشهاد بل أصبح عائقا أمام تطورها و النهوض بها.
عدالة الإشهاد في حاجة إلي قانون يعترف
بالقوة التنفيذية للكتب الرسمي و يوفر اختصاصات
إضافية حصرية .
بدون قانون جديد و فق المعايير الدولية لا
يمكن لعدالة الإشهاد التونسية أن تستمر و لا يمكن لها أن تعرف أي نهضة حقيقية.
أن توسيع اختصاصات عدل الإشهاد أصبحت ضرورية لسببين علي الأقل :
- أولا : أن توسيع الاختصاصات يعني تدخل الكتب الرسمي في
العديد من المجالات، و النتيجة أن المجتمع بكامله سوف يستفيد من مزايا الكتب
الرسمي الذي يوفر اكبر الضمانات للمتعاقدين .
ويستفيد مما يتمتع به عدل الإشهاد من أمانة ونزاهة وحياد وحرفية عالية في تحرير العقود والكتائب .
- ثانيا: بدون توسيع الاختصاصات لا يمكن للأفواج الجديدة المتخرجة من المعهد الأعلى للقضاء أن تجد المداخيل الكافية لتعيش في حد ادني من
الكرامة ومجابهة مصاريف المكتب.
بل يوجد من بين العدول اليوم المباشرين
لعملهم من يعاني من صعوبات اقتصادية كبيرة بسبب النقص الفادح في الاختصاصات.
نحن نرى أن عدالة الإشهاد تعيش مأزقا حقيقيا، فقانون
1994 الذي تقدم بالمهنة خطوة إلي الأمام أصبح عاجزا على تحقيق طموحات و أهداف عدالة الإشهاد و عاجزا على النهوض بالمهنة
و مكبلا للكتب الرسمي.
نحن على ثقة بأن السلطة مدركة لأهمية الكتب الرسمي و بأنها لن تتوانى في العمل علي إصدار قانون جديد مشرف، هذا القانون
الجديد و المشرف الذي ننتظره سوف لن يكون
مجديا فقط بالنسبة لقطاع عدالة الإشهاد
و إنما سيكون في صالح المنظومة القضائية ككل
وللمجتمع التونسي بأسره .
1- دليل إجراءات عدل الإشهاد طبعة ثانية 1999
2- الفصل 102 من دستور الجمهورية التونسية
2014
3- الفصل 105 من دستور الجمهورية التونسية
2014
4- الأعمال التحضيرية مداولة مجلس النواب
وموافقته بجلسته المنعقدة بتاريخ 17 ماي 1994
5-الفصل 6 وما يليه من القانون عدد 64 لسنة
1994
5-مسؤولية محرري
عقود الزواج
يقع تحرير عقد الزواج في تونس من طرف ضباط
الحالة المدنية او في طرف عدول الاشهاد
ومحرر عقد الزواج اذالا .... أحكام الفصل
الأول من القانون عدد 46 لسنة 1964 وحرر العقد بدون ان يتسلم الشهادة الطبية
السابقة للزواج في كلا الشخصين العازمين على الزواج فإنه يعرض نفسه. جزائية.
ويكون م. لان سلط عليه خطية مالية قدرها مائة
دينار، فقد نص الفصل 7 أنه: " يقع تتبع ضباط الحالة المدنية والعدول الذين لا
... لأحكام الفصل الأول في هذا القانون أمام المحكمة الابتدائية ذات النضر ...
ويعاقبون بخطية قدرها مائة دينار".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق